سابحة لربها Admin
عدد المساهمات : 1084 تاريخ التسجيل : 14/06/2012 العمر : 64
| موضوع: سنة أولى [التزام]! الأحد مارس 17, 2013 12:25 pm | |
| لطالما ضاعت سنوات من عمر أهل الالتزام، وهم يبكون مر البكاء، ويتحسرون أعظم الحسرة، ويتألمون أشد الألم، والسبب مخالفتهم لخطة الالتزام التي وضعوها؛ لكي تسير عليها حياتهم، ورغم أن الخطة كانت رائعة وجميلة ومفعمة بالطموح والحماس والمثالية، لكن كان ينقصها وبشدة الفقه، ويعوزها وبوضوح الحكمة، وتفتقر وبجلاء للواقعية.. ما معنى أن أطلب نسيان الماضي بكل ما فيه في مجرد غمضة عين؟ ما معنى أن أتوقع أنه بمجرد إعلاني (كوني ملتزماً) أن تتغير حياتي بين يوم وليلة؟ ما معنى أن أتجاهل واقع أسرتي وأصدقائي ومكان عملي أو دراستي بل والمجتمع من حولي وتأثير كل ذلك على مسيرتي القاصدة نحو الالتزام؟ ما معنى أن يكون اعتمادي على زيادة إيماني مجرد العاطفة والشعور والمزاج؟ ما معنى أن أفهم أن الالتزام هو عبادات الجوارح فقط وفي المقابل بواطن أهل الاستقامة تشبه أو هي أسوأ من كثير من العوام.
ومحصلة تأثير مثل هذه المفاهيم على الشخص في رحلة استقامته ما يلي: انقطاع وعدم استمرارية إن لم يكن نكوص وتراجع وبالتالي حزن على هذا الفشل يكبل صاحبه فلا يعمل و يأس يقعده عن محاولات الإصلاح فلا يتحرك وإحباط يسكن قلبه فيعجز حتى عن الدعاء، لكن حتى هذا الأخير (الدعاء) دعونا نتأمل واقع أصحابه من تحت المجهر:
ما معنى أن أعتمد فقط على الدعاء دون أي بذل للأسباب؟ وكأن السماء تمطر ذهباً، وكأن دعائي فقط ستتغير له نواميس الكون!!.هل لي أن أذهب إلى صالح من الصالحين وأطلب منه أن يملكني مصباح علاء الدين السحري ليمنحني ما يكفيني من ملذات.. بغية أن أتفرغ تماماً للعبادة؟
قد يمنحني هذا الصالح بتوفيق الله عز وجل هذا المصباح، وتكون له كرامة من الكرامات لكن كلنا يعلم أن الكرامات هي خوارق عادات وهي في حدوثها أندر من العنقاء ندرة الخُلْص الصادقين من العباد. لكن هذه الكرامة وإن حدثت فهي لا تبرر لكل من هب ودب أن يسعى فقط لطلبها ويعطل سنة الأسباب والبذل والسعي ويعتمد فقط على السؤال حتى رب العالمين وهو مالك خزائن الكون أجمعين - يوم أن طلب من عباده أن يسألوه ويدعوه، بين لهم أن لإجابة الدعاء شروط وأسباب فهلا تدبرنا؟
لطالما قابلت كثيراً من الأخوات تزوجت لأنه قد قيل لها إنه شخص صالح وهي مطمئنة إلى صدق دعائها وإلحاحها، هل الدعاء في السَحْر ينافي أن نستميت في الاستشارة؟، أم هي ثقة عمياء بأن دعائنا مستجاب؟ أم هي تزكية للنفوس بأنا قد صرنا من أصحاب العلم اللدني؟ أم هو عجز الثقة الذي تألم له عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؟
لأجل ما سبق ولأجل أسباب أخرى مشابهة كان التزام -أغلبنا إلا من رحم ربي هو- التزام أجوف خاوي مظهري شكلي، وأما الروح فيعذبها الخواء، والقلب تمزقه القسوة، والعقل تشقيه الوساوس، نشكو دوماً من قسوة القلب وضعف الإيمان وتكون الإجابة أن المعاصي فقط هي السبب؟.
لم لا نسأل أنفسنا: ما هي أسباب وقوعنا في هذه المعاصي؟ لم نتخيل أن الشهوة فقط هي سبب وقوعنا في المعاصي؟ لم نتخيل أنه وبمجرد أن نقول لأنفسنا: كفي عن المعصية فستفعل طائعة مختارة! وإن لم تفعل فهي سيئة شريرة لا خير فيها، لم لا نفكر في أن ابتعادنا عن المعاصي يحتاج منا إلى تربية وبرنامج إسلامي بديل كامل متكامل وليس مجرد محاضرة نستمع إليها أو كتاب نكون من ضمن قرائه أو جماعة نُسجل من ضمن أعضائها والمنتمين إليها؟
(نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية) هذه سنة من سنن النفس ونواميسها فلا تجلس دون عمل إيجابي من الطاعات والقربات، وتطلب من نفسك أن تغير لأجل سواد عيونك ناموساً من نواميسها:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له *** إياك.. إياك أن تبتل بالماء
لأجل كل ما سبق، ولأجل أسباب أخرى مشابهة قدم أهل الاستقامة نموذجاً للتدين، وكذلك نموذجاً للعيش والحياة انفصمت فيه الدنيا عن الآخرة، وصارا كالمتضادين والمتخاصمين والمتوازيين، لا يلتقيان، ولا حتى في المريخ، صار المتدين هو الناجح في عبادته فقط، هذا إن نجح، أما نجاح الدنيا فلا شأن له به.. بل وقد يسخر من أصحاب هذا النجاح ويلوي عنق الآيات والأحاديث ليبين أن هؤلاء قد فتنوا بالدنيا وشغلوا بها عن الآخرة، وأنه هو الزاهد فيها المتطلع للآخرة فقط وما يعلمه كل من له فقه أن الزهد الحقيقي هو: أن تملك الدنيا في يدك، ولا تدعها تملك قلبك، بل قلبك متطلع نحو عالم الخلود، أما يداك ففي تعمير هذه الدنيا، أما أن تكون عاجزاً خالياً عاطلاً صفر اليدين وتدعي أنه الزهد فهذا هو الإفلاس بعينه.
جرس انتهاء الحصة:
الخطأ ليس نهاية العالم .. بل لو لم تكونوا تذنبون فتستغفروا فيغفر الله لكم لأبدلكم الله بمن يكون ديدنهم [التوبة] التي هي أحب الأعمال عند خالقكم هي ليست دعوة للتجرؤ.. بل يظل القلب منكسراً على الدوام لله، فإذا ما زلت النفس الضعيفة وحنت إلى أصلها (الطين) عدنا بها بسوط التوبة إلى حدود ربها، فإذا ما تمردت مرة أخرى وخرجت عدنا إليها بالسوط مرة أخرى، لن ندعها تفلت ولن نتمكن على الدوام من حبسها، ولن نيأس إزاء تكرار محاولات الهروب، وإن الله لا يمل حتى تملوا، شؤم المعصية يزول (إن الحسنات يذهبن السيئات) هي رسالة لمن يلطم خديه ويولول ويصيح ويقول: لا فائدة، لا فائدة، وبدلاً من هذه السلبية تحرك وافعل حسنة، فلن يعيد بكاءك اللبن المسكوب لكن ما قد يعيده هو: أن تنظف ما اتسخ تحت قدميك من هذا اللبن، وتذهب لتأتي بلبن آخر تكون أحرص عليه من ذي قبل.
حقيقة العبادة المجاهدة والمدافعة والمصابرة، (أواب حفيظ) والخطأ ثم التوبة بعده ثم الخطأ مرة أخرى ثم التوبة حتى الموت (وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
هي ليست دعوة لتبرير الأخطاء، أو الاستسلام للواقع السيئ، بل هي دعوة للتدين عن وعى وفقه وبصيرة، هي دعوة لاستصحاب الحكمة، وتطبيق سنة التدرج، وتفعيل الآليات والوسائل والأساليب الصحيحة السليمة في سعينا بأنفسنا نحو الاستقامة، هي دعوة لأن يكون التدين رسالة مقنعة لكل فئات وشرائح المجتمع، وليس أراذله بادي الرأي، هي دعوة لعرض الدين في حقيقته كما جاء من عند الخالق - عز وجل -، وليس في حقيقة أشخاص من يحملونه بكل ما فيهم من عيوب ونقص وتقصير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. | |
|