عابدة الله
عدد المساهمات : 48 تاريخ التسجيل : 12/11/2012
| موضوع: الليالي المباركة الأحد مايو 05, 2013 9:32 pm | |
|
درج المسلمون على إحياء بعض الليالي بالصلاة والذكر والإجتماع لقراءة القرآن الكريم في المساجد أو غيرها من الأماكن حسب اختلاف المكان والعادات المتعبة في ذلك، وقد يتعدى ذلك إلى الغناء والرقص الصوفي وما إلى ذلك من تصرفات يظن البعض أنهم يتقربون بها الى الله تعالى. وفي هذه المقالة سنسلط الضوء على ما اصطلح على تسميته بالليالي المباركة، ونذكر مشروعيتها وما ورد في كيفية إحيائها بعيدا عن العادات. من المعلوم بالضرورة أن الله تعالى قد أكمل دينه وأتمه بقوله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} (المائدة،3) ولم يأذن لأحد أن يكون شارعا في الدين؛ فهو المشرع وحده. قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} (الشورى، 21) والسؤال في الآية للإنكار، وعليه فكل إحداث في أمور الدين هو بدعة منكرة ترد على أصاحبها ولو كثر القائلون بها. ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وهي تدل دلالة صريحة على أن الله سبحانه وتعالى قد أكمل لهذه الأمة دينها، وأتمّ عليها نعمته. عندما نذكر الليالي المباركة يتبادر إلى الذهن العشر الأواخر من رمضان وليلة القدر على وجه التحديد، والعشر الأوائل من ذي الحجة وليلة الجمعة وليلتي العيدين وليلة النصف من شعبان وغيرها، وفيما يلي نتناولها تباعا: أولا: ليلة القدر ليلةالقدرليلةٌ عظيمة شريفة أنزل الله جل وعلا سورةً كاملة تبينفضلها، قال تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ. تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ. سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (القدر، 1_ 5) وقد وُصفت هذه الليلة بالمباركة في سورة الدخان بقوله تعالى { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (الدخان، 3) والمباركة أي كثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير والبركة ويستجاب من الدعاء ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن وحده لكفى به بركة[1]. وليلة القدر تُلتمس في العشر الأواخر من رمضان وفي الوتر منها خاصة، وقد اعتاد المسلمون إحياءها في ليلة السابع والعشرين من رمضان، ولا دليل على ذلك من القرآن والسنة. وقد استدل البعض بالضمير العائد على ليلة القدر في سورة القدر { سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} فالضمير (هي) جاء رقمه السابع والعشرين من عدد كلمات السورة البالغ ثلاثون كلمة، وهي ملاحظة جليلة إلا أنها لا تصلح دليلا للجزم بكون ليلة القدر في تلك الليلة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ)[2] وقد وردت روايات أخرى لكن أظهرها تلك التي تشير أنها في العشر الأواخر، وفي الوتر منها تحديدا لما روي عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين فقال النبي صلى الله عليه وسلم (أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها)[3] وفي حديث آخر (إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُهَا – أَوْ نُسِّيتُهَا – فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ فِي الوَتْرِ)[4] قيام ليلة القدر ليس لليلة القدر صلوات مخصوصة كما يفعل بعض الناس فيلزمون أنفسهم بصلاة مئة ركعة مثلا، فهذا على خلاف الهدي النبوي، وقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام ليلة القدر بقوله (مَنْ يَقُمْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)[5] والقيام المعهود هو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم فقد سُئلت أمّ المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا)[6] وقد سألته ماذا تقول إن علمت أنها ليلة القدر، فقال صلى الله عليه وسلم (قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني)[7] والإعتكاف في المساجد من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، فقد ورت عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَعْتَكِفُ العَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ)[8] إحياء ليلة القدر يكون بصلاة القيام وبقراءة القرآن والدعاء - فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ»[9] ثانياً: الليالي العشر الأواخر من رمضان إن ليالي العشر الأواخر من رمضان من أفضل ليالي العام، ودليل ذلك ما ورد عن الرسول الكريم من أحاديث صحيحة تبين فضل هذه الليالي، وقد كان يجتهد فيها ويشد مئزره. فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ)[10] وفي رواية أخرى (كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره)[11] وكان من سنته الإعتكاف في المسجد في هذه الليالي فقد روت أم المؤمنين عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ)[12] وفي الحديث استحباب الإعتكاف للنساء كذلك. ثالثاً: ليالي العشر الأوائل من ذي الحجة أقسم الله تعالى بهذه الليالي، والقسم يلفت الأنظار إلى عظيم فضلها قال الله تعالى {والفجر وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر، 1_2) عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أفضلُ أيامِ الدُّنْيا أيامُ العَشْرِ)[13] وليس غريبا أن تكون هذه الأيام أعظم أيام السنة؛ فهي أيام الحج وفيها يوم الحج الأكبر وعيد الأضحى. وقد اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أيّ ليال هي، والأرجح أنها العشر الأوائل من ذي الحجة فعن جابر ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والفجر وليال عشرٍ: عشرُ الأضحية، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)[14] وفي قوله تعالى{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} (الأعراف، 142) قيل: إن العشر التي أتم بها أربعين، عشرُ ذي الحجة. وقد نسب الطبري هذا القول إلى مجاهد ومسروق[15] . عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»[16] يجتهد المسلم في أداء الأعمال الصالحة في هذه الأيام، ولم ترد روايات تخص صيامها نهارها أو قيام ليلها، بل ورد نفي الصيام خاصة، فعن عائشة قالت: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط)[17] اليوم التاسع من ذي الحجة هو يوم عرفة صيامه سنة مؤكدة لغير الحاج، لقوله عليه الصلاة والسلام (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ)[18] وفي رواية أخرى سُئِلَ النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ)[19]وصيامه للحاج يكون على خلاف السنة، فعَنْ أُمِّ الفَضْلِ، شَكَّ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَبَعَثْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَهُ»[20].
رابعا: الليالي البيض الليالي البيض هي ليلة الثالث عشر وليلة الرابع عشر وليلة الخامسعشر من الشهر القمري. ولم يرد أي نص يفيد قيامها بشكل مخصوص، كما لم ترد نصوص تبين فضلها على سائر الليالي، قلا يصح الإحتفال بها أو إظهار مكانة لها على سائر الليالي. وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم لصيام ثلاثة أيام من كل شهر، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «صم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر»[21] . وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ)[22] نفهم من الحديثين الندب لصيام ثلاثة أيام من كل شهر، سواء صادفت الأيام البيض أم لا، لكن إذا صامها المسلم في الأيام البيض كان أفضل لما روي عَنْ جَرِيرِ بن عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: (مَنْ صَامَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ، فَلْيَصُمِ اللَّيَالِيَ الْبِيضَ ثَلاثَ عَشْرَةَ ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ )[23]. ولقوله صلى الله عليه وسلم لأعرابي رآه صائما نافلة (إن كنت صائما فصم أيام الغر)[24]. والغر: الليالي البيض المقمرة من منتصف الشهر القمري. وعَنْ ابْنِ مِلْحَانَ الْقَيْسِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَصُومَ الْبِيضَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ، قَالَ، وَقَالَ: هُنَّ كَهَيْئَةِ الدَّهْرِ)[25] ولا يصح صيام يوم الثالث عشر من ذي الحجة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام أيام التشريق، وقال: «فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل »[26] أما من عجز عن هدي التمتع أو القران فإنه لا حرج عليه في صيامه؛ لما روى عن عائشة وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي »[27] خامساً: ليلة الجمعة ليلة الجمعة كغيرها من اليالي لا تُخص بقيام أو ذكر معين والأحاديث التي تميزها عن غيرها جميعها ضعيف السند. ومن الأحاديث الصحيحة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)[28] سادسا: ليلة النصف من شعبان وردت أحاديث كثيرة في فضل ليلة النصف من شعبان ولكن جميعها ضعيف. ولم يرد أي حديث صحيح في هذا الموضوع، وعلى هذا فإننا نعتبر تخصيص هذه الليلة بالقيام والذكر والإحتفال بدعة منكرة. وأما ما اختاره الأوزاعي رحمه الله من استحباب قيامها للأفراد ، واختيار الحافظ ابن رجب لهذا القول فهو غريب وضعيف ؛ لأن كل شيء لم يثبت بالأدلة الشرعية لم يجز للمسلم أن يحدثه في دين الله تعالى ، سواء فعله منفردا أو في جماعة ، وسواء أسرّه أو أعلنه ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) وغيره من الأدلة الدالة على إنكار البدع والتحذير منها . وقد قيل لابن أبي مليكة : إن زيادا النميري يقول : إن أجر ليلة النصف من شعبان كأجر ليلة القدر . فقال : لو سمعته وبيدي عصا لضربته . وكان زياد قاصا[29] . وما ورد من أحاديث وآثار في ليلة النصف من شعبان كلها ضعيفة أو موضوعة أو منكرة لا تقوم بمثلها حجة. وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، قال : (لم أدرك أحدا من مشيختنا ولا فقهائنا يلتفتون إلى ليلة النصف من شعبان ، ولم ندرك أحدا منهم يذكر حديث مكحول ، ولا يرى لها فضلا على ما سواها من الليالي). قال ابن أبي زيد : والفقهاء لم يكونوا يصنعون ذلك[30]. وَقد أَطَالَ النَّوَوِيُّ أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ فِي ذَمِّهِمَا وَتَقْبِيحِهِمَا وَإِنْكَارِهِمَا[31]. كما أنكر الثوري هذه البدعة فقال: هذه الصّلاة بدعة موضوعة قبيحة منكرة[32] . أمّا ما ورد في كثير من كتب التفسير بأن قوله تعالى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} (الدخان، 3)، هي ليلة النصف من شعبان، هو قول مرجوح وباطل لأنّ هذه الليلة هي ليلة القدر قال تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر} فالليلة المباركة هي ليلة القدر وليس ليلة النصف من شعبان. سابعاً: ليلة السراء والمعراج قال الله تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (الإسراء، 1) الإسراء ثابت بنص القرآن فهو قطعي الثبوت والمعراج روي من طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما تدل جملتها على صحة أصله على ما فيها من التعارض والاختلاف في كونه وقع في اليقظة أم في المنام، وهما على كل حال من الأمور الغيبية الخارقة للعادة[33]. وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها لإختلاف الروايات في وقت حصولها، ولو علمت لم يجز الاحتفال بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بها ولم يرو عن أحد من أصحابه أنه احتفل بها، وبناء عليه لا يصح تخصيص ليلة 27 من رجب بعبادة خاصة، لأنّه من الإبتداع المحرم. ثامنا: ليلة العيدين ليلة الفطر والأضحى لم تخصصا بعبادة أو قيام معينين وإنما شأنهما كسائر الليالي ولم يرد في إحيائهما أي نص من الكتاب والسنة، وما ورد في ذلك من أخبار فضعيف لا تقوم به حجة كحديث أبي أمامة (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ)[34] وقد ورد أحاديث أخرى لكنها ضعيفة كلها[35] لذلك لا يصح تخصيص ليلة العيدين بعبادة معينة. ويسن التكبير في العيدين والإكثار منه لقوله تعالى {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} (البقرة،185).وَالْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ هُنَا: هُوَ قَوْلُ الْقَائِلِ: اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ الْجُمْهُورُ: وَمَعْنَاهُ الْحَضُّ عَلَى التَّكْبِيرِ فِي آخِرِ رَمَضَانَ[36]. فيشرع التكبير ليلة عيد الفطر وليلة الأضحى، والتكبير هو ايذان بانتهاء العبادة، وقد شُرع ذكرُ الله سبحانه بعد الفراغ من العبادات، كما في قوله تعالى{فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (البقرة، 200) {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ} (البقرة، 198) {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة،10) وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الْأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الْأَيَّامَ وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الْأَيَّامَ جَمِيعًا وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيَالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ[37].
| |
|