المفطرات المعاصرة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد.
فإن الله تعالى حكيم خبير
يشرع للعباد ما فيه مصلحتهم في الدنيا والآخرة
وكان من أعظم ما شرع بعد الصلاة والزكاة
أن فرض على عباده الصيام
قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }البقرة-185، كما بين الله تعالى الحكمة من هذا الفرض، فقال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة-183.
فنصَّ الله على أعظم حِكَم مشروعية الصيام، ألا وهي تحقيق تقوى الله وخشيته، ولذلك لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة تصوم وتصلي وتتصدق، ولكنها تؤذي جيرانها! قال: هي في النار؛ وذلك أن تلك العبادات لم تحقق المقصود الأعظم منها، وهو تقوى الله، كما اشتمل الصوم على حِكمٍ بالغة، وفوائد جليلة، فالصوم وسيلة لشكر النعم, وذلك أن الصوم كف النفس عن الأكل والشرب والجماع, وهذه من أجل النعم وأعلاها, والامتناع عنها زمانا معتبرا يعرف قدرها, إذ النعم مجهولة, فإذا فقدت عرفت, فيحمله ذلك على قضاء حقها بالشكر.
والصوم وسيلة إلى ترك المحرمات، وبالصوم يحصل التغلب على الشهوة، وهو موجب للرحمة والعطف على المساكين، وفيه قهر للشيطان، وإضعاف له, وبالصوم يدرب المسلم نفسه على مراقبة الله تعالى، وفي الصيام التزهيد في الدنيا وشهواتها، والترغيب فيما عند الله تعالى، فهذا غيض من فيض من حكم مشروعية الصيام.
وفي العصر الحديث جدَّ بالناس أمور في الصوم لم تكن لتوجد من قبل، سواء فيما يحصل به الفطر، أو غيره، وكانت تلك النوازل على قسمين:
الأول: نوازل المفطرات.
الثـاني: نوازل الرؤية واختلافها.
نوازل المفطرات:
لقد بيَّن الله تعالى في كتابه العزيز أصول المفطرات، فقال تعالى: { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ..الآية }البقرة-187.
ولما جدَّ في هذا الباب أمور شمَّر العلماء عن ساعد الجد، وبيَّنوا حكم كل نازلة من تلك النوازل على حدة بعد البحث والتدقيق، وإليك تلك النوازل في ضوء المستجدات الطبية، مع بيان حكم كل نازلة حسب الراجح من أقوال العلماء.
بادئ ذي بدء اعلم أن المفطرات أقسام، فمنه ما يدخل عن طريق الفم، أو الأنف، أو الأذن، أو الجلد، أو المهبل، أو مجرى البول أو الغائط، ومنه ما يفطر بإخراجه من البدن.
بخاخ الربو:
وهو عبارة عن عبوة مضغوطة تحتوي على الماء وغاز الأكسجين والمواد العلاجية التي يقصد أن تصل إلى الجهاز التنفسي، والنسبة الكبرى فيها للماء، والباقي على الأكسجين والمواد العلاجية.
وقد اختلف أهل العلم في الفطر به، والراجح عدم الفطر به، وهو ما ذهب إليه جمع كبير من أهل العلم المعاصرين؛ وعللوا ذلك بأن الأصل صحة الصيام، ولا ينقل عنه إلا بيقين، فهذه المادة تذهب إلى الجهاز التنفسي، ووصول شيء منها إلى المعدة أمر مشكوك فيه، وثبوت الصوم يقين فلا يزول بالشك، وعلى فرض أن جزءا من هذه المادة وصل إلى المعدة فإنه قدر يسير يعفى عنه، كما أنه لا يحصل الفطر به قياساً على أمرين:
الأول: ما يبقى بعد المضمضة، فإن المتخصصين يقولون إن الماء الواصل إلى المعدة بعد المضمضة أكثر مما يصل إليها إذا استنشق هذا البخاخ، وقد قام دليل الشرع على وجوب المضمضة في الوضوء.
الثاني: القياس على ما يمكن أن يصل إلى المعدة من السواك، وقد ثبتت السنة باستحباب السواك أثناء الصيام.
ومع ذلك فإذا أمكن لمريض الربو أن يؤخر تعاطي هذا البخاخ إلى المساء كان أفضل.
الأقراص العلاجية التي توضع تحت اللسان:
وهي أقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، وهي تُمتص مباشرة ويحملها الدم إلى القلب، فتتوقف الأزمة المفاجئة التي أصابت القلب.
وقد صدر قرار مجمع الفقة الإسلامي أن تلك الأقراص ليست من المفطرات، بشرط ألا يبتلع الإنسان ما يتحلل منها، وإنما يمجُّه، فإذا كان دخولها إلى البدن عبر هذه القنوات التي تحت اللسان عبر الدم فإنه لا يفطر بذلك؛ لأن الأصل صحة الصيام، ولا يترك هذا الأصل إلا بيقين، وهذه الأقراص ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معنى الأكل أو الشرب، فإنها لا تصل إلى المعدة، ولا يحصل للبدن بها من القوة والنشاط ما يحصل بالطعام والشراب.
الغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم:
يلحق بالمسألة السابقة: الغرغرة، وبخاخ العلاج الموضعي للفم، فلا يفطر به، إذا اجتنب ابتلاع ما نفذ إلى الحلق، والأحوط تركه في نهار رمضان.
منظار المعدة: ولاستعمال منظار المعدة حالتان:
الأولى: هي أن يقوم المعالج بوضع مادة هلامية أو مادة دهنية أو نحو ذلك على هذا المنظار من أجل تسهيل عملية دخوله، أو يضخ الطبيب عبره محلول الملح ونحوه لإتمام عملية التصوير، ففي هذه الحال يفطر الصائم؛ لأن تلك المواد يمتصها البدن ويحصل له بها نوع انتفاع، كما أنها قد دخلت من منفذ معتاد.
الثانية: أن يقوم المعالج بإدخال هذا المنظار بدون وضع أي شيء عليه أو من خلاله، وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في الفطر به، بناء على اختلاف أهل العلم فيما يحصل به الفطر، هل هو ما يطعم ويشرب ويحصل به التغذية، أم أن كل ما دخل البدن فهو داخل في الأكل والشرب؟ وهما مذهبان مشهوران لأهل العلم، فجمهور الفقهاء على أن المسلم يفطر بابتلاع أي شئ، ولو كان غير مأكول، مادام قد وصل إلى المعدة، وبعض المالكية واختاره شيخ الإسلام أنه يشترط أن يكون مما يطعم أو يشرب، فيتحلل وينتفع به البدن، وقد صدر قرار المجمع الفقهي بهذا القول، واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ومن احتاط وقضى يوما فهو أحوط، فقد أضاف النبي صلى الله عليه وسلم الأكل للتراب، ففي الحديث: (يأكل الثرى من العطش)، والثرى هو التراب الرطب، والله أعلم.
قطرة الأنف:
وقد اختلف أهل العلم في الفطر بقطرة الأنف، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن القطرة في الأنف تفطر، واحتجوا بحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) ولأن ما يوضع في الأنف من قطرات ينفذ إلى الحلق ثم إلى المعدة فيكون مفطرا.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنها لا تفطر، واحتجوا لذلك بأن ما يصل إلى الحلق يسير جدا، ولعل القول الأول هو الأرجح والأحوط.
غازات التخدير:
إذا تعاطى المسلم مادة التخدير -وهي غازات تستنشق عن طريق الأنف، أو تأخذ عن طريق الفم- فقد صدر قرار المجمع الفقهي بعدم الفطر به؛ وذلك أنه ليس طعاما، ولا شرابا، ولا في معناهما، فهذه الغازات ليس لها أجرام، لكنها تستنشق عن طريق التنفس وتذهب إلى مجاري التنفس، فلا تنفذ إلى الحلق، ولو نفذت إلى الحلق، فما ينفذ منها يسير مما يعفى عنه، ولا يحصل الفطر به قياساً على ما يبقى في الفم بعد المضمضة.
إلا أن صاحب ذلك دخول منظار إلى المعدة، كما هو الحال في بعض عمليات التخدير، فإن صاحب هذا المنظار مواد كيميائية ونحوه مما له جرم فإنه يفطر بذلك، وإن لم يصاحبه مواد فإنه لا يفطر، وفي هذه الحال إن قضى هذا اليوم احتياطا كان حسنا.
أما إن كانت تلك الغازات تأخذ عن طريق آخر غير الفم والأنف، كالوريد ونحوه، فعدم الفطر بها من باب أولى.
أما نفس الشخص المخَدَّر: فإن كان التخدير كليات فهل يفسد الصوم بغياب عقله بالتخدير أم لا؟ هذه المسألة مبنية على كلام الفقهاء في صوم المغمى عليه، وقد فصَّلوا الأمر فيه، فإن استغرق التخدير اليومَ كلَّه، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإنه يجب عليه القضاء عند جمهور الفقهاء لأن الصوم إمساك بنية، ولم يحصل هذا من المُخدَّر، وفي الحديث: (يدعُ طعامهُ وشرابهُ وشهوتهُ من أجلي) ففي الصيام امتناع عن هذه الأشياء بنية طاعةً وتعبدا، وقياس المُخدَّر على النائم ليس بصحيح، فالنائم معه نوع إدراك، بخلاف المُخدَّر الذي فقد وعيه بالكامل.
أما إن استغرق التخدير جزءا من النهار فقط، فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن صومه صحيح، ما دام مستصحبا لنية الصوم حكما، بمعنى أنه لم يُرد أن يقطع الصوم.
أما التخدير الموضعي، والذي لا يفقد معه الوعي ولا الإحساس إلا في موضع العملية، فهذا لا يحصل به الفطر؛ لأن الإنسان لا يزال بقواه العقلية، ويستصحب النية حقيقة أو حكما.
قطرة الأذن وغسيل الأذن:
الصحيح في قطرة الأذن أو غسيل الأذن أنه لا يفطر؛ وذلك أن الأذن ليست منفذا إلى الحلق، فلا يفطر المسلم باستعمال قطرة الأذن أو غسيل الأذن، لكن إن وجد بها خرق ووصل السائل إلى الحلق، نظر: فإن كان يسيرا، بحيث لا يتجاوز المقدار المعفو عنه شرعا، كالقدر الذي يعفى عنه في الوضوء، فلا يفطر بذلك، أما إن كان كثيرا، كما هو الحال في غسل الأذن بمحلول أو سائل، ووصل إلى الحلق، وابتلعه المسلم فإنه يفطر بذلك.
قطرة العين:
المعروف طبيًّا أن بالعين قناةً متصلةً بالأنف ثم بالحلق؛ فهي إذن منفذ إلى الحلق، وقد اختلف أهل العلم المعاصرون في الفطر بها، فذهب جمع منهم إلى عدم الفطر بها؛ لأن الصوم ثبت بيقين، فلا يرفع إلا بيقين، والواصل من القطرة يسير من المعفو عنه، فهي قطرات يسيرة، غالبا ما تمتصها القناة الدمعية قبل وصولها إلى الحلق، فإن وصل شئ إلى الحلق كان يسيرا جدا، بحيث لا يحصل به الفطر، وهذا هو رأي الشيخ ابن باز والشيخ العثيمين رحمهما الله، وهو الراجح إن شاء الله.
الحقن العلاجية، سواء كانت جلدية أو عضلية أو وريدية:
والصحيح أنها لا تأخذ حكم الأكل، ولا الشرب، وليست في معناهما، وعليه فلا يحصل بها فطر، وقد صدر بذلك قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي، وبه صدرت فتوى الجهات الشرعية المعتمدة في كثير من بلاد المسلمين.
الحقن المغذية:
وهي التي تعطى لبعض المرضى وتكون مؤلفة من محلول مائي يحتوي على السكر والأملاح والماء وربما أضيف إليه بعض العلاجات، وتعطى هذه الحقن عن طريق الوريد، فهذه الحقن وإن كانت لا تدخل إلى الجسم من المنفذ المعتاد للأكل والشرب، إلا أنها تقدِّم نفسَ ما يقدمه الأكل والشرب للجسم، وعليه فهي مفطرة على الصحيح؛ لأنها في معنى المنصوص عليه في الكتاب والسنة، من الفطر بالأكل والشرب.
الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية:
من المعروف أن الجلد به مسامات يحصل من خلالها امتصاص ما يوضع عليه، فإذا وضع الإنسان على جلده مادة دهنية، فإن الجلد يمتص هذه المادة، كما أنه في بعض الأحيان توضع العلاجات على شكل لصقات، تكون فيها مادة نفاثة أو مادة علاجية مسكنة ونحوه، وفي بعض الأحيان تفرز موادًّا تساعد على منع الحمل، أو الامتناع من التدخين، وقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قرارا بالإجماع على أن هذه الأشياء لا تفطر؛ إذ إنها ليست طعاما، ولا شرابا، ولا في معنى الأكل والشرب، وليست داخلة من المنافذ المعتادة، أضف إلى ذلك دلالة ظاهر السنة، فإن الناس كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يحتاجون إلى الأدهان في جلودهم وشعورهم، ولو كان مفطِّراً لنبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
القثطرة:
وهي إدخال جهاز أو أنبوب عن طريق الوريد حتى يصل الأوردة والشرايين المتصلة بالقلب، أو في أي مكان في البدن، ويستعمل هذا النوع من العلاج أحيانا لأغراض تشخيصية لاكتشاف التجلطات في الأوردة والشرايين، وأحيانا لأغراض علاجية، مثل فتح بعض الشرايين المغلقة أو التي فيها تجلط.
وقد اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قراراً بالإجماع على أنها لا يحصل بها الفطر؛ لأن هذه القثطرة ليس مما ورد به النص مما يفطر، وليست في معنى المنصوص، ولو احتاط المسلم أيضا في هذه المسألة وقضى يوما لكان حسنا.
أما إذا كانت هذه القثطرة يصاحبها مادة هلامية أو مادة دهنية، فإنه يحصل بها الفطر، كما تقدم في المنظار.
منظار البطن:
وهو منظار يدخل إلى بطن المريض عن طريق فتحة صغيرة في جدار البطن، حتى يصل إلى تجويف البطن، وليس إلى المعدة، ويكون ذلك لأغراض علاجية، مثل استئصال المرارة، أو استئصال الزائدة الدودية، أو استئصال حصوات معينة، وأحيانا يكون لأغراض تشخيصية كالتصوير، أو لأخذ عينات من الكبد أو نحو ذلك.
والصحيح أنه ليس مفطرا، لدخوله من منفذ غير معتاد، فهو ليس مما ورد به النص، ولا في معناه، وبهذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي، ويستثنى من ذلك ما إذا صاحبه مواد دهنية، فإنه يحصل الفطر بذلك.
أخذ عينات (خزعات) من الكبد أو غيره من الأعضاء ما لم تكن مصحوبة بإعطاء محاليل.
الغسيل الكلوي: وللغسيل الكلوي طريقتان:
الأولى: الغسيل بواسطة آلة تسمى الكِلية الصناعية، حيث يتم سحب الدم إلى هذا الجهاز, ويقوم الجهاز بتصفية الدم من المواد الضارة، ثم يعود إلى الجسم عن طريق الوريد، وفي أثناء هذه الحركة قد يحتاج إلى سوائل مغذية تعطى عن طريق الوريد.
الثانية: عن طريق الغشاء البريتوني في البطن، وذلك بأن يُدخَل أنبوب صغير في جدار البطن فوق السُّرة, ثم يدخل قرابة لترين من السوائل تحتوي على نسبة عالية من السكر الجلوكوز إلى داخل البطن, وتبقى في الجوف لفترة، ثم تسحب مرة أخرى، ويكرر هذا العمل عدة مرات في اليوم، وقد اختلف فيه، والصحيح أنه في حال ما إذا استصحب سوائل مغذية ونحوه أنه يفطر؛ وذلك لأنه وإن لم يكن أكلا ولا شربا، إلا أنه في معنى الأكل والشرب مما يحصل للمريض به من التَّقَوِّي ونحو ذلك.
أما إذا كان يحصل به مجرد تنقية للدم فقط، فإنه لا يفطر.
الغسول المهبلي:
يراد بالغسول المهبلي المحاليل المطهرة أو العلاجية التي تتعاطاها المرأة عن طريق الفرج (القبل) هذا الغسول المهبلي، وقد اختلف في الفطر به، والصحيح أنه لا يفطر؛ لأن هذا الغسول ليس أكلا ولا شربا، ولا مما يحصل الفطر به بالنص ولا في معنى ما ورد النص؛ ولهذا اتخذ مجمع الفقه الإسلامي قراراً بالإجماع بأنه غير مفطر.
ويلحق به التحاميل المهبلية والمنظار المهبلي وأدوات الفحص المهبلية، فإن هذا كله لا يعد مفطرا، لأنه ليس مما ورد به النص، ولا في معناه.
الحقنة الشرجية:
الحقنة الشرجية هي ما يعطى للمريض في الدبر وهي نوع معالجة وغسيل للأمعاء بضخ الماء وبعض الأدوية كما هو معروف، وقد قرر الأطباء أن الدبر متصل بما يسمى بالمستقيم، ثم بعد ذلك القولون أو الأمعاء الغليظة، والحقنة تكون في هذه المنطقة، فيحصل امتصاص يسير للماء والأملاح والسكريات في الأمعاء الغليظة، وبناء على ذلك فإن المريض إذا أعطي هذه الحقنة الشرجية، التي تشتمل على السوائل والمحاليل المغذية أو بعض الأشياء الدوائية ونحوه، أنها تصل إلى هذه المنطقة التي يحصل بها الامتصاص، ولهذا فالقول بالتفطير هو الأظهر والأرجح.
التحاميل الشرجية:
التحاميل الشرجية هي ما يوضع في دبر المريض، وتشبه المراهم، وتستعمل لعلاج بعض الأمراض مثل البواسير ولتخفيض الحرارة، فهذه التحاميل محل خلاف بين أهل العلم، والأقرب أنه لا يحصل الفطر بها، وليست مثل الحقنة الشرجية؛ لأن المواد الغذائية بالحقنة الشرجية أكثر، بالإضافة إلى أن الجسم يمتصها عن طريق الأمعاء الغليظة، فيحصل ما يحصل بالأكل والشرب، بخلاف التحاميل الشرجية فهي -وإن كان البدن يمتصها- إلا أنها أشياء دوائية لا تصل إلى مراكز الامتصاص في الغالب، فلا تأخذ حكم الأكل والشرب لا حقيقة ولا حكما.
المنظار الشرجي:
المنظار الشرجي إذا كان بحيث يصل إلى مناطق الامتصاص، وهي الأمعاء الغليظة فما فوق إلى المعدة، فإن ضخ معه شيء من السوائل أو المحاليل أو المواد الهلامية أو الدهنية أو نحو ذلك، فإنه حينئذً تكون في حكم الأكل والشرب، فيحصل الفطر بها، أما إذا لم يضف إليه محاليل أو مواد، أو أضيف ولكن لم يصل إلى أماكن الامتصاص، فإنه حينئذٍ لا يفطر.
ما يدخل عبر مجرى البول:
وهي أشياء أشبه بالمناظير الطبية، تستعمل لإدخال بعض المحاليل لغسيل المثانة، أو بعض الأدوية، وأحياناً بعض المواد التي تصاحب عملية التشخيص بالأشعة، ليتضح التصوير بإضافة هذه المواد، فيضخ عبر مسالك البول هذه المواد حتى تتضح في أجهزة التصوير، فهذه الأمور التي تدخل عبر مجاري البول، سواء كانت للرجل أو للنساء محل خلاف بين أهل العلم، وقد أثبت والطب الحديث أن مسالك البول ليست منفذً إلى المعدة، ولا إلى الأمعاء الغليظة أو الدقيقة، أو مراكز الامتصاص أو الجهاز الهضمي، فالقول الراجح أنها لا تعد مفطرة، وهو ما أفتى به أعضاء مجمع الفقه الإسلامي.
ما يخرج من البدن:
التبرع بالدم:
أكثر أهل العلم في العصر الحديث يبني هذه المسألة على مسألة الفطر بالحجامة، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة، فذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية إلى أنها ليست مفطرة، واختار جمع من أهل العلم أنه الحجامة مفطرة، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، واختيار شيخ الإسلام.
وبناء على هذا الخلاف اختلف أهل العلم في التبرع بالدم، والأظهر أن الأمر في التبرع مختلف عنه في الحجامة؛ وأن الحكم يجب أن يكون تابعا لكمية الدم المأخوذة في التبرع، فمتى كان الدم المُتَبرَّع به كثيرا كان مفطرا، ومتى كان يسيرا لم يكن مفطرا، ووجه هذا القول هو النظر إلى العلة في التفطير بالحجامة، ففي البخاري عن ثابت البناني أنه سأل أنس بن مالك رضي الله عنهما فقال: "أكنتم تكرهون الحجامة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، إلا من أجل الضعف"، ويتقرر إذا أضفت إليه ما أفاده قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَمَنْ اسْتَقَاءَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) فإن من تعمد القيء يجب عليه القضاء، لما يسبب تعمد القيء من ضعف وإنهاك في البدن، ومعلوم أن أخذ الدم الكثير في التبرع يصيب البدن بضعف وإنهاك، فيكون مفطرا بهذا الشرط.
أخذ الدم للتحليل ونحوه:
لما كان الدم المأخوذ للتحليل في الغالب يكون يسيرا، وقد تقرر في المسألة السابقة أن العبرة في الفطر بالدم ما يصيب البدن من الضعف والإنهاك، فلما كان الأمر كذلك ذهب كثير من أهل العلم إلى أن أخذ عينات من الدم للتحليل لا يحصل الفطر به.
وفي الأخير فإنه ينبغي على الطبيب المسلم نصح المريض بتأجيل ما لا يضر تأجيله إلى ما بعد الإفطار من صور المعالجات المذكورة فيما سبق.
ثانيا: نوازل الرؤية واختلافها:
السفر من بلد إلى بلد يختلفان في الرؤية:
إذا انتقل الإنسان من بلد إلى بلد آخر قد اختلفت رؤية البلد الأول عن البلد الثاني، سواء في أول الشهر أم في آخره، وهذه المسألة لا تخلو من أحوال، فإما أن تختلف الرؤية في أول الشهر، وتتفق في آخره، وإما أن تتفق الرؤية في أول الشهر وتختلف في آخره، وإما أن تختلف في أول الشهر وفي آخره.
ومقتضى هذا الاختلاف أن الشهر في بعض الأحوال يكون ثمانية وعشرين يوما في حق الشخص، وفي بعض الأحوال واحدا وثلاثين يوما، فماذا عليه أن يصنع؟
فمقتضى دليل الشرع أن يتبع البلد الذي انتقل إليه، فيصوم معهم ويفطر معهم، حتى لو ترتب على ذلك أن يصوم ناقصا أو زائدا، للأدلة التي جعلت الصوم والفطر بصوم وفطر عموم المسلمين، كقوله صلى الله عليه وسلم: "الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ، وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ"، وقوله: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ" فالخطاب لعموم المسلمين، وبالقياس على ما لو صام شخص في بلدة ثم انتقل أثناء النهار إلى بلدة أخرى في نفس القطر، وقد تأخر عندهم الغروب، فإن الواجب قطعا أن يفطر مع من انتقل إليهم، دون من بدأ صومه عندهم، ولو تأخر الغروب، ولما في ذلك من اجتماع الكلمة بالنسبة للأمة الإسلامية، فيجب أن يكون ذلك الشخص مع المسلمين في تلك البلدة التي سافر إليها.
غير أنه في حال ما إذا كان الشهر في حقه ناقصا، كأن صام ثمانية وعشرين يوما الأحوط أن يقضي يوما ليتم الشهر في حقه تسعة وعشرين يوما، لأن الشهر في الشرع لا يمكن أن ينقص عن تسعة وعشرين يوما.
الارتفاع بالطائرة ونحوها بعد مغيب الشمس أو قبله: ولهذه المسألة صورتان فقط:
الأولى: أن تغرب الشمس على الإنسان في بلده ثم يفطر، فإذا ركب الطائرة وارتفعت رأى الشمس باقية، فهذا صومه صحيحه، وفطره صحيح، وقد أفطر بموجب الدليل من الكتاب والسنة، قال تعالى: { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ }البقرة-187 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". أخرجه البخاري ومسلم، فهذا أفطر بيقين وبموجب الدليل الشرعي، فرؤيته للشمس بعد ذلك لا تضر ولا يجب عليه الإمساك مرة أخرى.
الثانية: أن يسافر الصائم قبيل غروب الشمس في بلده بزمن يسير، ثم ترتفع الطائرة، وتتحرك جهة المغرب، فحينئذ يتأخر غروب الشمس، فقد يبقي ساعة أو ساعتين والشمس طالعة، فهذا لا يفطر حتى تغرب الشمس، لقوله تعالى: { ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ }البقرة-187 ، فجعل الله تعالى غاية صومه الليل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ". أخرجه البخاري ومسلم، فالواجب على من كان هذا حاله أن يمسك حتى تغرب الشمس، وله الترخص برخصة السفر فيفطر ويقضي يوماً مكانه.