[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] كان على عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في "المدينة المنورة" رجل طويل القامة، عريض الكتفين، مضيء الوجه، وكان غنيًّا واسع الثراء .
وكان أيضا تاجرًا ناجحًا تدر عليه تجارته أموالاً طائلة حتي إنه كان يقول :
- لقد رأيتني ، لو رفعت حجرًا .. لوجدت تحته ذهبًا وفضة ..
إنه الصحابي الجليل "عبد الرحمن بن عوف" الذي دخل في الإسلام وهو شاب في مقتبل العمر، فقد كان واحدًا من أول ثمانية دخلوا في الإسلام .
وقد لقي عبد الرحمن بن عوف من قريش التعذيب والاضطهاد الذي تعرض له المسلمون الأوائل .. فتحمل وصبر، وهاجر إلي الحبشة مع من هاجر إليها من المسلمين، ثم هاجر إلي "المدينة المنورة"، واستقر بها .
حارب "عبد الرحمن بن عوف" مع الرسول- صلى الله عليه وسلم-في "بدر" و"أحد"، وغيرها من الغزوات، وفي غزوة "أحد" وحدها أصيب "عبد الرحمن بن عوف" بنحو عشرين إصابة .. وكسرت بعض أسنانه، فتركت أثرًا واضحًا علي طريقة نطقه، وأصيبت إحدى ساقيه فأصبح يعرج في مشيه .
وكان "عبد الرحمن بن عوف" من الصحابة المقربين عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، كما كان مثالاً للمسلم المؤمن الذي نشأ في الإسلام، وتربي علي يدي الرسول- صلى الله عليه وسلم .
والمدهش أن هذا الرجل الغني كان يشعر بالخوف كلما زاد غناه، واتسعت تجارته وتكاثرت أمواله؛ لأنه يخشي أن يكون ممن يشملهم قول الله- تعالي- في القرآن الكريم:
"وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (20)" (الأحقاف 20)
وكان عبد الرحمن بن عوف يخشي الحساب يوم القيامة؛ لأنه يعلم أن من كثر ماله طال حسابه.
وقد كان "عبد الرحمن بن عوف" من المؤمنين الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه؛ لذا فإنه كان يتصدق من أمواله بغير حساب شكرًا لله علي نعمه، فيجد أن الله يضاعف له أمواله أضعافًا مضاعفة، لأن الله يقول : "لئن شكرتم لأزيدنكم" .
وفي إحدى جلسات "عبد الرحمن بن عوف" مع رسول الله جاءه من يخبره بأن قافلته التي كانت في الشام قد عادت محملة بالبضائع التي ينتظرها الناس .
تبسم "عبد الرحمن" حين سمع ذلك وشكر الرجل .. ثم استأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ليتابع أمر القافلة .
ذهب "عبد الرحمن" إلي قافلته، وكانت كبيرة، ورأي ازدحام التجار حولها، وسمع أصواتهم الصاخبة وهم يتنافسون في شراء ما يحتاجون إليه ويزيدون في أسعار الشراء .
رأي "عبد الرحمن" ذلك، فتذكر نعمة الله عليه، وما فيه من سعة وبحبوحة في الرزق، وأن الفضل في ذلك كله لله .. لا لمهارته أو ذكائه في التجارة .. وفي لحظة كان "عبد الرحمن" قد عزم علي أمر لم يبحه لأحد .. فترك التجار المتزاحمين حول قافلته ولم ينتبه إلي كلامهم، وأمر رجاله بأن يذهبوا بالقافلة إلي حيث يجلس رسول الله – صلى الله عليه وسلم .
سمع الرسول- صلى الله عليه وسلم- ومن معه من الصحابة صخبًا وضجيجًا، فبعث من يستطلع الأمر فعاد ومعه "عبد الرحمن بن عوف" الذي كان يقود قافلته وما إن جلس أمام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتي أعلن أنه تصدق بقافلته كلها في سبيل الله لتنفق في وجوه الخير.
أشرق وجه الرسول- صلى الله عليه وسلم- وابتسم راضيًا عما فعله "عبد الرحمن"، ودعا الله له، وبشره بالجن .
وقبل أن يتوفي أوصي بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأوصي لكل من بقي ممن شهدوا غزوة بدر بأربعمائة دينار، وكان ممن أخذ نصيبه منها الخليفة "عثمان بن عفان" ، وفي العام الثاني والثلاثين من الهجرة وفي خلافة "عثمان" مات عبد الرحمن بن عوف وعمره 75 عامًا – رضي الله عنه وعن الصحابة أجمعين