<div align="center">السلام عليكم ورحمة الله وبركاته<br><br><br>رفــــــــــاق الهجرة النبوية<br><br>إنَّ الهجرة من مكة إلى المدينة تعدُّ من الأحداث الفاصلة في تاريخ الدَّعوة الإسلاميَّة،<br>فهِي نهايةٌ لعهْد تعرَّض فيه المسلِمون الأوَّلون لألْوان الاضطِهاد والأذى،<br>فما ضعفوا وما استكانوا، وبدايةٌ لعهْد جديد نصَرَ الله -جلَّ جلالُه- فيه <br>الإسلامَ على أعدائِه نصرًا عزيزًا مؤزَّرًا، <br>حيث خاضت القلَّة المؤمنة حروبًا عديدة ضدَّ الكثْرة المشْرِكة، <br>فما أجْدت كثْرة المشْركين وما حالت قلَّة المؤمنين بيْنهم وبين الظُّهور على <br>أعدائِهم؛ لتُصْبِح كلِمة الله -تَبارك وتعالى- هي العُلْيا،<br>وكلمة الَّذين كفروا السُّفْلى.<br><br>اختيار الرسول لأبي بكر الصديق:<br><br>اختار المصطفى صلى الله عليه وسلم لمُرافقته في رحلتِه الكبرى أبا بكْرٍ الصدّيق<br>-رضِي الله عنْه- دون سائِر أصحابِه، فكان اختيارًا موفَّقًا؛ <br>لأنَّ أبا بكر -رضي الله عنه- أصْلح الصَّحابة للقيام<br>بهذا الاختِيار النَّبوي الكريم.<br><br>أبْلغ الرَّسول صلى الله عليه وسلم أمْر الهجرة إلى أبي بكر -رضِي الله عنْه-<br>تلميحًا لا تصريحًا، فلمَّا أذن لأصحابه أن يُهاجروا من مكَّة إلى المدينة <br>طلب أبو بكر -رضِي الله عنْه- منه أن يَأْذن له في الهجرة،<br>فأمْهله صلى الله عليه وسلم قائِلاً:<br>"لا تعجلْ يا أبا بكر؛ لعلَّ الله يجعل لك صاحبًا".<br><br>وفهِم الصدِّيق -رضِي الله عنه- من هذه الجُملة أنَّه قد يصاحب الرَّسول صلى<br>الله عليه وسلم في هجرته، فاستعدَّ وجهَّز راحلتَين تنقلانِه هو والرَّسول <br>صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، <br>فلمَّا أذن الله تعالى للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالهجرة وأخبر أبا بكر -رضي الله عنه–<br>بذلك، فاضت دموعُ الصدِّيق من فرط السُّرور، وأخذ يقول: <br>"الصحبةَ يا رسول الله، الصحبةَ يا رسول الله". <br>فقال صلى الله عليه وسلم: "الصُّحبة يا أبا بكر". <br>فبكى أبو بكر من شدَّة الفرح، وخرجا سرًّا في ظلام الليل إلى غار ثور.<br><br>ولقد جدَّ الكفَّار في البحث عن محمَّد صلى الله عليه وسلم وصاحِبه -رضي الله عنه- <br>إلى أن وقفوا على باب الغار، فقلق أبو بكر خوفًا على حياة الرَّسول الكريم صلى <br>الله عليه وسلم وقال له: "لو أنَّ أحدَهم نظر إلى قدميْه لأبصرنا". <br>فقال النَّبيُّ العظيم محمَّد صلى الله عليه وسلم: <br>"يا أبا بكْرٍ، لا تحزَنْ إنَّ الله معنا يا أبا بكر،<br>ما ظنُّك باثنين الله ثالثهما".<br><br>فهدأتْ نفس أبي بكر -رضي الله عنه- وعادتْ إلى قلبه الطُّمَأنينة، <br>وقال الله جلَّ ثناؤه: <br>{إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ<br>إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ<br>تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا <br>وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}<br>[التوبة: 40].<br><br>اختيار الرسول لعلي بن أبي طالب:<br><br>كانت المؤامرة الَّتي دبَّرها الكفَّار أن تقوم مَجموعة من قريْش تتألَّف من كلِّ <br>عشيرة فيها، بِحيث تنتدب عنها شابًّا فتيًّا، <br>ويعمد هؤلاء إلى محمَّد صلى الله عليه وسلم فيضرِبونه ضربة رجُل واحد،<br>وبذلك يتوزَّع دمه في جميع العشائر، فلا يقدِر بنو عبد مناف على حرْبِهم.<br>فلمَّا كانت اللَّيلة الَّتي عزموا فيها على تنفيذ المؤامرة، تربَّصوا قرب داره، <br>منتظرين الفُرْصة الملائمة لاغتياله.<br><br>فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن ينام <br>على فراشه قائلاً: "نم على فراشي وتسجَّ ببردي هذه الحضرمي الأخضر،<br>فنم فيه، فإنَّه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم".<br><br>ودعا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اللهَ -عزَّ وجلَّ- أن يعمي أبصارهم،<br>فخرج صلى الله عليه وسلم وقد غشيهم النوم، فوضع على رءوسِهم التراب؛<br>{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ}<br>[يس: 9].<br><br>قال المرحوم عباس العقَّاد في تحليل شخصية الإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:<br>"آداب الفروسية هي مفتاح هذه الشخصيَّة النبيلة، كانت القوَّة طبعًا في علي<br>فطر عليه، وأدبًا من آداب الأسرة الهاشمية نشأ فيه، <br>وعادة من عادات الفروسيَّة العمليَّة التي يتعوَّدها كل فارس شجاع".<br><br>عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما :<br><br><br>وكان دوْرُه هو استطلاعَ أخبار قريْش بمكَّة، والوقوف على ردِّ الفِعْل الَّذي<br><br>أحدثه خروجُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سرًّا، وما عسى أن يدبِّرَه زعماؤها<br>لوقْف مسيرته؛ وبذلك يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم<br>وأبو بكر -رضي الله عنه- على بيِّنة ممَّا يُحاك خلْفَه من مؤامرات، <br>فيستطيع أن يتَّقيها، ويبلغ مأمنه في طَيْبة (المدينة).<br><br>أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما:<br><br>وكان دوْرها -رضي الله عنها- في الهجرة أن تأتِي النبيَّ صلى الله عليه وسلم <br>وصاحبَه -رضي الله عنه- بالماء والزَّاد وهُما في الغار، وظلَّت -رضي الله عنْها- <br>على ذلك ثلاث ليال مُتعاقبة، تقتحِم الصَّحراء الموحِشة في رهبة الظَّلام،<br>وهي صغيرة، ولا تبالي العيون والأرصاد التي تبعثها قريْش في الطَّريق <br>من مكَّة إلى المدينة؛ لتظفر بمحمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم.<br><br>ولمَّا همَّ الصَّاحبان بالرَّحيل إلى المدينة جاءتْهما أسماء -رضِي الله عنها- <br>بِما يَحتاجان إليه في رحلتهما من زاد وماء، وهمَّت بتعليقه في رحل البعير، <br>فلم تجِد رباطًا، فحلَّت نطاقها وشقَّته نصفين، ربطت بأحَدِهما الزَّاد، <br>وانتطقت بالآخَر، فقال لها المصْطفى صلى الله عليه وسلم: <br>"أنتِ ونِطاقاك في الجنَّة". وسمِّيت بعد ذلك<br>بـ"ذات النطاقين".<br><br>عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما :<br><br><br>ولقد شاركت أسماءَ دوْرَها الخالد في الهجرة أختُها عائشة -رضي الله عنها- <br><br>كما ترْوي معْظم كتب السيرة، وكانت لا تزال طِفلة دون العاشرة، فخاضت بذلك<br>تَجربة أكبرَ من سنِّها الصَّغيرة، ممَّا أكْسبها نضوجًا فكريًّا ونفسيًّا مبكِّرًا،<br>أتاح لها القيام بأدْوار كُبرى في مستقبل حياتها.<br>ولقد كان اقتِحام ابنتَي الصِّديق -رضي الله عنْهما- ظلمات البيداء حاملتَين <br>لأبيهِما وصاحبِه رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجتَهما من الماء والطَّعام، <br>غير مباليتين بما قد يُصيبهما من أذى - بلاءً أي بلاء، <br>وجهادًا أجلَّ جهاد.<br><br>عامر بن فهيرة رضي الله عنه:<br><br>وكانت مهمَّته في الهجرة مهمَّة مزْدوجة، أن يرعى غنَمَ أبي بكر -رضي الله عنه-<br>نهارًا، فإذا أمسى قصد إلى الغار، واحتلب للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه<br>-رضي الله عنه- وأن يتبع بالغنم مسار عبد الله بن أبي بكر بعد عوْدته<br>من غار ثور إلى مكَّة، فيعفِّي على ما تركتْه أقدامه من<br>آثار في رمال الصَّحراء.. قوَّة إيمان وصدق عقيدة.<br><br><br>مصعب بن عمير أول سفير فى الاسلام :<br><br>مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي،<br>كنيته أبو عبد الله، وُلد في الجاهلية، كان شابًّا جميلاً عطرًا، حسن الكسوة، <br>وكان أبواه ينعمانه.<br>أسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكتم إسلامه؛ <br>خوفًا من أمّه،<br>وكان يختلف إلى رسول الله سرًّا، فبصر به عثمان بن طلحة العبدري،<br>فأعلم أهله، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوسًا إلى أن هاجر إلى الحبشة،<br>رجع مع من هاجر إلى مكة ثانية، والتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم.<br>كان مصعب بن عمير أوّل من هاجر إلى المدينة، وذلك أنَّ الأنصار كتبوا<br>إلى رسول الله أن ابعث لنا رجلاً يفقهنا في الدين ويقرئنا القرآن، فبعثه إليهم,<br>حينما قدم المدينة نزل على أسعد بن زرارة،<br>وكان يأتي الأنصار في دُورهم أو قبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام.<br>أسلم على يده أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ، وبعث إليه عمرو بن الجموح <br>بعد أن قدم المدينة ليسأله عن أمر الدين الجديد، فأجابه مصعب، <br>وأسمعه صدر سورة يوسف، فأسلم على يده.<br>خرج من المدينة مع السبعين الذين وافوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في<br>العقبة الثانية، وأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة<br>بقية ذي الحجّة ومحرّم وصفر.<br><br>شهد بدرًا وأحدًا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكان لواء الرسول<br>صلى الله عليه وسلم معه, استُشهد في معركة أحد سنة 3هـ، <br>قتله ابن قثمة الليثي. قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: <br>"ما رأيت بمكة أحسن لمة، ولا أنعم نعمة، من مصعب بن عمير".<br><br><br>دليل الهجرة عبد الله بن أريقط : <br><br>إنَّ اختيار النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والصدِّيق -رضي الله عنه- لعبد الله بن <br>أريقط الديْلمي (وهو رجُل من كفَّار قريش)؛ ليكون دليلَهما في الطَّريق إلى<br>طَيبة (المدينة) - ليدلُّ على حسن الاختِيار؛ <br>لأنَّ ابنَ أُريقط قد سلك بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وصاحبِه -رضي الله عنه- <br>طريقَ الساحل، الأمر الَّذي لم يرِدْ على خاطر قريش؛ <br>إذْ لم يكن طريقًا مألوفًا في ذلك الحين.<br><br>وثمَّة شرطان أساسيَّان للاستعانة بخبيرٍ من غير الملَّة:<br><br>أوَّلُهما: أن يكون موثوقًا به.<br>والثَّاني: أن يكون اختيارُه حتميًّا؛ بمعنى:<br>ألا يوجد من أهل الملَّة مثيل له.<br>وقد توافر هذان الشَّرطان في عبد الله بن أريقط؛ إذ يقول كُتَّاب السير: <br>إنَّه كان كافرًا لكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وصاحبَه -رضي الله عنه- وثِقا به،<br>وكان دليلاً بالطُّرُق. وجاء في الحديث الصحيح: إنَّه كان هاديًا خرّيتًا؛<br>أي: حاذقًا، يعرف مضايق الطُّرق؛<br>لذلك دفَع الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم وصاحبُه -رضي الله عنه- <br>راحلتيْهما إليه،</div>