أخي المسلم الكريم اعلم أنَّ مَن حَفِظَ لِسَانَهُ قَلَّ خطأهُ ، وندر
عثاره وكان أملك لزمام أمره وأجدر ألا يقع في محذور ، وقد بشر النَّبيُّ
صلى الله عليه وسلم من يضمن ذلك وضمن له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
الجنة في قوله : (( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة
)) وفي رواية أيضاً : (( من توكل لي ما بين رجليه ، وما بين لحييه توكلت له
بالجنة )) (1) .
فعلى هذا ينبغي لكل مكلف أنْ يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاماً ظهرت
فيه المصلحة ، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة ، فالسنةُ الإمساك عنه
لأنَّه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه ، وذلك يحصل كثيراً للكثير
من الناس .
فالمسلم إذا استقام لسانه استقامت جوارحه ، وأما من أطلق عنان ذلك الأمر ،
ودخل لسانه في معصية الله ، وخاض في أعراض الناس ؛ فإنَّ جوارحه ستعصي
وتنتهك حرمات الله ، وقد جاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( إذا أصبح
ابن آدم ، فإنَّ الأعضاء كلها تُكفِّر(2) اللسان فتقول : اتق الله فينا
فإنما نحن بك ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا )) (3) .
أخي المسلم الكريم ، تذكّر دائماً وقوفك عند الله وأنت عريان ، فلا تطلق لسانك ، وكن عليه رقيباً .
اللسان دليل على كمال عقل الإنسان أو نقصانه ، فمن أفلت لسانه دل على نقصان
عقله فأكثر الناس كلاماً ولغواً هم أقلهم عقولاً ، تمعّن جيداً فالأمر جد
خطير ؛ لأنَّه متعلق إما بدخول الجنة أو النار ، وهذا ما نرجوه ، وهو العمل
على ما يدخل الجنة ، وتجنب ما يدخل النار . اللسان يدخل الإنسان الإسلام
بكلمة ، ويخرج منه بكلمة ، ويدخل بذلك النار . تنبه دائماً أنَّ كل كلمة
وكل لفظة مسجلة ، كم يجلس الإنسان في مجالس ، وفي أكثر المجالس يأتون
بإنسان ميت ينهشون بلحمه يأكلون أخاهم ميتاً ، نعم من يغتاب أخاه المسلم
كمن يأكل لحم أخيه ميتاً ، فالمسلم له حرمة ، وحرمته أعظم من حرمة الكعبة
فقد روى ابن ماجه (4) من حديث عبد الله بن عمر قال : رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول : (( ما أطيبك وأطيب ريحك ، ما أعظمك
وأعظم حرمتك ، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك
ماله ودمه وأنْ نظن به إلا خيراً )) .
تذكّر أخي المسلم كم إنساناً تكلمتَ فيه ؟ وكم إنساناً طعنتَ فيه ؟ كل
هؤلاء سوف يكونون خصماءك عند الله عز وجل ، نعم سيكونون خصماءك يوم القيامة
، فهذا أخوك المسلم تغتابه وتتكلم فيه وتطعن به ، ولا تظنه سيكون خصمك يوم
القيامة ، أتظن أنَّ الله سيتركك ؟ لا : إنَّ الله لن يتركك ؛ لأنَّ الله
أعدل العادلين ينصف المظلومين من الظالمين . فتنبه دائماً أنَّ الكلمة إذا
خرجت فهي مكتوبة لك أو عليك ؛ فإياك وإياك أنْ تتكلم إلا وتفكر هل سيكتب لك
أو عليك ؟ والسلامة لا يعدلها شيء فإنْ لم تعرف أنَّ ما تتكلم به خيراً أو
شراً فعليك بالصمت ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول : (( من صمت نجا
))(5) فانتبه دائماً للسانك قال تعالى : (( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ )) [ الإسراء : 36 ] يقول عبد الله بن مسعود : (( والله الذي
لا إله غيره ما من شيء أحوج إلى سجن من لسان )) (6) ، وهذا ابن عباس حبر
الأمة وترجمان القرآن كان يقول : (( قل خيراً تغنم ، أو اصمت تسلم قبل أن
تندم )) (7) .
أخي المسلم الكريم ، تمعن في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وشمائله وانظر
كيف أنه كان كثير الصمت ، فهذا نبينا الأعظم رسولٌ ونبيٌّ وكانت هذه صفته ،
وكان الأعرابيُّ يدخل المسجد فلا يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من
كثرة كلامه ، ولا من جلسته ولا من مكانه ، وهذا دليل على مزيد تواضعه صلوات
الله وسلامه عليه .
أخي المسلم الكريم ، تمعن في قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم حينما قال :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) (
هكذا قال
النبيُّ صلى الله عليه وسلم لأنَّ الصمت والسلامة لا يعدلهما شيءٌ ، فأنت
إذا تكلمت إما لك وإما عليك قال تعالى : (( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ
لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ )) [ الانفطار : 10 - 11 ] فاحرص دائماً
أنْ تقول قولاً سديداً ؛ لأنَّه ليس هناك كلام يذهب سدىً فأنت تتكلم بكلام
إما يسخط الله فيكتب عليك ، وإما من رضوان الله فيكتب لك .
فعليك دائماً أنْ تتنبه إلى لسانك حتى لا يوردك الموارد ، فهذا أبو بكر
الصديق المبشر بالجنَّة ، وصاحب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بالغار يشير
إلى لسانه ويقول : (( هذا أوردني
الموارد )) (9) فإذا كان هذا حال لسان أبي بكر ، ذلك اللسان الذاكر الحامد
المسبح ، الآمر بالمعروف ، الناهي عن المنكر ، الناصر لدين الله ، المصدِّق
لرسول الله ، فما حال ألسنتنا ، نسأل الله السلامة .