الـزنا
إنَّ من أعظم حُرم المسلم على المسلم العرض ، ومن ذلك الزنا ، وأنا لن
أتكلم عن هذه الجريمة العظمى من بابها الواسع ، بل سأتكلم عنها من جانب
أنها جريمة عظمى بحق أخيك المسلم .
ولو لم يكن في هذه الجريمة إلا تدنيس العرض والشرف ونزع شعار الطهر والعفاف
والفضيلة لكفى هذه الجريمة سوءاً . ثم إنَّ صاحب هذه الجريمة يُكسَى ثوب
المقت بين الناس . وجريمة الزنا تشتت القلب وتمرضه إن لم تُمِتْهُ ، وهذه
الجريمة تفسد نظام البيت وتهز كيان الأسرة وتقطع العلاقة الزوجية ، ثم
يتعرض الأولاد لسوء التربية مما يتسبب عنه التشرد والانحراف والجريمة .
ثم إنَّ في هذه الجريمة ضياعاً للأنساب واختلاطها وتمليك الأموال لغير
أصحابها عند التوارث ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيمن يخلط النسب
حينما أراد رجل أنْ يطأ جارية ، وكانت حاملاً فقد روى الإمام مسلم في صحيحه
(1) من حديث أبي الدرداء ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم : أنه أُتي
بامرأة مجحٍ(2) على باب فسطاط فقال : (( لعله يريد أنْ يلمَّ بها ؟ ))
فقالوا : نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لقد هممتُ أنْ ألعنه
لعناً يدخُلُ معه قبرَه ، كيف يورثه وهو لا يحلُ له ؟ كيف يستخدمُه وهو لا
يحلُ له ؟ )) .
وإنَّ من أعظم الزنا وأشده الزنا بحليلة الجار قال ابن القيم : (( وأعظم
أنواع الزنا أنْ يزني بحليلة جاره ، فإنَّ مفسدة الزنا تتضاعف ما ينتهكه من
الحرمة ، فالزنا بالمرأة التي لها زوج أعظم إثماً وعقوبة من التي لا زوج
لها ؛ إذ فيه انتهاك حرمة الزوج وإفساد فراشه ، وتعليق نسب غيره عليه ،
وغير ذلك من أنواع أذاه فهو أعظم إثماً وجرماً من الزنا بغير ذات البعل ،
فإنْ كان زوجها جاراً له انضاف إلى ذلك سوء الجوار )) (3) .
وقد ذكر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أن من أكبر الكبائر : (( أنْ تزاني حليلة جارك )) (4).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه )) (5).
وكذلك إنَّ من أشد الزنا الزنا بنساء المجاهدين في سبيله ، وقد قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم :
(( حرمةُ نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم ، وما من رجلٍ من
القاعدين يخلف رجلاً من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف يوم القيامة
فيأخذ من حسناته ما شاء حتى يرضى )) (6).