[center]أســـــرار قرآنيـــــــة
الدرســـــ الأول ــــ،،
ما سنشرع في بيان معالمه بيانياً وبلاغياً: قول الله جل وعلا: "الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ "[الرحمن:1-4].
نعلم أن من أسماء الله جل وعلا الرحمن ، وقد استفتح به هذه السورة
ثم اتبع ذلك بذكر نعمتين أنعم بهما على خلقه وهي:
1- نعمة الخلق والإيجاد
2- نعمة الهداية والإرشاد
ومعلوم قطعاً أن نعمة الخلق والإيجاد مقدمة زمناً على نعمة الهداية والإرشاد ، ونعمة الخلق والإيجاد يشترك فيها جميع المخلوقين والموجودين.
لكن الله قال هنا : "الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ "
فذكر تعليم القرآن مقدم على الخلق والإيجاد ، لماذا؟ هذا هو السر البياني الذي سنوضحه هنا.
لما كانت نعمة الهداية والإرشاد أعظم من نعمة الخلق والإيجاد قدمها الله وإن كانت متأخرة زمناً، إلا أنه قدمها لعظيم نفعها وجلالة أثرها، ولأن نعمة الهداية والإرشاد لا ينالها إلا المؤمنون ، المطيعون ، المخلصون ، المتقون
لكن نعمة الخلق والإيجاد مشتركة بين الخلق ينالها كل مخلوق، من بر أو فاجر، من مؤمن أو كافر، من بني آدم، من الجن، من الملائكة، من البهائم، من الطير، كلهم يجتمعون ويتساوون في أنهم مخلوقون للرب تبارك وتعالى.
فهذا السر البياني الذي من أجله قدم الله جل وعلا نعمة الهداية والإرشاد؛ لأنها نعمة خاصة أعطاها الله جل وعلا لبعض خلقه.
ونحب أن نذكر هنا أن الرحمن التي ذكرت في الآية آنفاً والرحيم بينهما عموم وخصوص
اسم الرحيم يطلق به الرب تبارك وتعالى ويوصف به غيره ، قال الله جل وعلا في نعت نبيه صلى الله عليه وسلم: "بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ "[التوبة:128].
أما اسم الرحمن لا يطلق إلا على الرب تبارك وتعالى، ولا يصح شرعاً ولا يجوز أبداً إطلاقه على غير الرب جل وعلا.
ومن هنا يتضح أن التقديم والتأخير هنا كان لغرض بلاغي: وهو إظهار شأن القرآن، وبيان نعمة رحمة الله جل وعلا بعباده المؤمنين أن هداهم للإيمان والتقوى، وأن هذا مقدم حساً ومعنى، ولفظاً ومبنى، على نعمة الخلق والإيجاد التي يشترك فيها الخلائق أجمعين، فليس لخلق أحد خصيصة على خلق أحد غيره.