ما نحنن بصدد الحديث عنه اليوم هو قول الله جل وعلا : "فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " [الكهف:97].
والمخبر عنه هنا هو ذلكم الردم الذي بناه ذو القرنينبين السدين ليكف شر يأجوج ومأجوج عن أولئك القوم الذين نعتهم الله جل وعلا بقوله: "لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا "
ما نريد أن نوضحه هاهنا: هو لماذا ذكرت (اسطاعوا) بالتخفيف، وذكرت استطاعوا بالتثقيل؟
والعرب تقول: إن زيادة المبنى تدل على زيادة في المعنى
ونجيب على ذلك كما أجاب أهل العلم رحمة الله تعالى عليهم من قبل بما يلي: هذا الردم الذي بناه ذو القرنين ليصد ويكف شر يأجوج ومأجوج، حاولت تلك القبائل يأجوج ومأجوج أن تتجاوزه إلى ما تريد، ولا سبيل إلى تجاوزهم إلا بإحدى طريقتين:
الطريقة الأولى: أن يظهروا على السد بمعنى: أن يصعدوا عليه ثم يصلون إلى مرادهم.
والطريقة الأخرى: أن يحدثوا فيه نقباً، فإذا أحدثوا فيه نقباً سهل عليهم بعد ذلك أن يخرجوا إلى غيرهم من خلال هذا النقب، هذا هو المتعين لهم.
ومعلوم لكل ذي عقل: أن ارتقاء الشيء والعلو عليه أيسر بكثير من نقبه وخرقه
ولهذا قرن الله ذلك الظهور بالفعل: اسطاع مخففاً: "فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ "وذلك حتى تدخر التاء لما هو أشد وهو النقب، فيصبح هناك توازن ما بين المعنيين المراد ذكرهما، وما بين الفعلين الذين سيق بهما ذلك المعنى، فقال ربنا: "فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا "
وبهذا يتضح لنا بجلاء عظمة هذا القرآن وأنه منزل من لدن حكيم خبير، لا رب غيره، ولا إله سواه، والمؤمن الذي يكثر من تلاوة القرآن، ويقف عند هذه المعالم البيانية فيه، لا بد أن تؤثر على لسانه، ويصبح أكثر سليقة وأقرب إلى الفصاحة والبيان والعلم بالبلاغة h